الرياح
كعامل إرساب
يحدث الإرساب الهوائي في أي مكان تضعف فيه مقدرة الرياح على النقل ، وتستطيع الرياح كما رأينا أن تحمل ذرات الغبار عبر مسافات كبيرة وتلقيها في بقاع بعيدة غريبة عن موطنها الأصلي ، أما الرمال فلا تقوى على حملها إلا الرياح القوية وهى لا تستطيع رفعها كثيرا عن سطح الأرض ثم تعيد إرسابها بعد مسافة قصيرة وتتمثل مظاهر الإرساب الهوائي في تراكم الغبار ، وتكوين اللوس ، ثم في تراكم الرمال وتكوين الكثبان الرملية
1- تراكم الغبار وتكوين اللوس Loess :
يعتبر سفر الغبار وتراكمه و تساقطه من العوامل الأساسية للحياة
اليومية في كل أنواع المناخ ، على الأقل في فترات الجفاف . والغبار الذي
نعنيه لا ينشأ بالضرورة عن التعرية الهوائية فحسب ، فهناك (الغبار الكوني)
الذي ينشأ عن احتراق الشهب والنيازك وتساقط موادها على الأرض ، وهناك
(الغبار البركاني) الذي ينشأ عن ثوران البراكين ، وهناك (الغبار الناشئ عن
عمليات التعرية الأخرى) ثم (الغبار العضوي) و (الغبار الصناعي) . هذا
الغبار تدريه الرياح ثم يتساقط على الأرض من الجو ببطء شديد حين تضعف
الرياح . ولكنه يتعرض للحمل الهوائي مرة أخرى ما لم تسكن الريح تماما ، وهو
يسرع في تساقطه حين تسقط الأمطار ويبقى ثابتا على الأرض حين يحميه غطاء
نباتي من إعادة سفيه بواسطة الرياح .
وتعتبر رواسب السيلت والطين والطفل و المارل والملح والجبس والجير هي
المصادر الأساسية لتكوين الغبار من الوجهة البتروجرافيه والمعدنية ، وهذه
الرواسب هي صحراوية أو نهرية أو بحيريه أو رواسب الركامات الجليدية وأهم
مظاهر تراكم الغبار هي لا شك تكوينات اللوس .
ويتركب اللوس من الوجهة البتروجرافيه من تكوينات دقيقة الحبيبات بنية اللون
فاتحة أو مصفرة ، وأحيانا رمادية ومن السهل تفتيتها وسحقها بين الأصابع ،
وملمسها ناعم ، كما أنها تحتوي على نسبة من كربونات الكالسيوم والرواسب غير
طباقية في الغالب ، وتكتنفها وتختلط بها الكثير من الأنابيب أو الشعيرات
الكلسية الدقيقة في وضع رأسي ، وتميل إلى تكوين حوائط رأسية ، وتبقى في ذلك
الوضع فترة طويلة دون أن تنهار (شكل 9) . شكل 9 (بيئة اللوس
في شمال سويسرا)
شكل (9) (بيئة اللوس في شمال سويسرا) |
وفي معظم تكوينات اللوس يسود توزيع معين للحبيبات المكونة له
، ويتضح منه أن الحبيبات التي يتراوح قطرها بين 0.05 – 0.01 ملم هي السائدة
، كما أن نسبة المسام في التكوينات عالية .
ويتألف اللوس معدنيا من الكوارتز (نسبة 60% - 70%) ، ومن كربونات الكالسيوم
(10% - 30%) ومن الفلسبار بأنواعه (10 – 20%) و الميكا ومن معادن ثقيلة
كالجرانات Granat و ابيدوت Epidot و هورنبلند .
فمعدن الكوارتز إذن هو
المعدن الغالب في تكوينه . وتوجد كربونات الكالسيوم في اللوس عادة على هيئة
غلاف رقيق يحيط بحبيبات الكوارتز وغيرها من المعادن المكونة له ، ونسبة
الكربونات ترتبط ارتباطا وثيقا بالمصدر الذي اشتق منه اللوس فكلما كان
المصدر غنيا بالجير زادت نسبة الجير في الرواسب . وكربونات الكالسيوم التي
توجد عادة موزعة توزيعا منتظما في اللوس كثيرا ما تتغير بمرور الزمن ،
وبتأثير ظروف معينه ، فهي قد تتحول إلى أشكال متحجرة تعرف بأطفال اللوس في
تكوينات أوربا ، وأحيانا تترسب في صحائف أفقية تعرف باسم توسكا Tosca في
لوس البامباس Pampas في أمريكا الجنوبية ، أو قد تؤثر فيها عوامل التحلل
الكيميائي فتذيبها المياه وتسلبها من التكوينات ، وحينئذ يتحول اللوس
المثالي إلى طفل (لوم) الذي يتميز بلونه الداكن وحبيباته الأدق .
وتنتشر تكوينات اللوس انتشارا كبيرا في أنحاء اليابس . وتقع أكبر مناطق
توزيعه في وسط أسيا ، حيث يبلغ سمكه هناك أكثر من 500 متر ، وهو سمك ليس له
نظير في مناطق توزيعه الأخرى ، وهناك ما يزال تراكم اللوس مستمرا (شكل
10)
. شكل10 (توزيع اللوس في شمال الصين)
شكل (10) (توزيع اللوس في شمال الصين) |
أما في مناطق توزيعه الأخرى بأمريكا الجنوبية وأمريكا
الشمالية وأوربا ، فإن إرسابه ارتبط بالفترات الجليدية إبان عصر
البلاستوسين . فتكوينات اللوس في تلك المناطق ظاهرة وتختص بها الأراضي التي
كانت تتاخم الجليد ، والتي تأثرت بوجوده تأثيرا غير مباشر .
ولهذا من الممكن أن نميز نمطين من اللوس :- أحدهما قاري والآخر جليدي
(بالمعنى المناخي) . وفي غرب ووسط أوربا يمتد شريط من تكوينات اللوس من
ساحل بريتاني عبر حوض باريس وجنوب بلجيكا ورومانيا إلى جنوب روسيا ، ويبلغ
سمك اللوس أقصاه في وادي الراين حيث يصل إلى 30م . وفي أمريكا الشمالية
تبلغ تكوينات اللوس أقصى سمكها في ولايات النيوي و أيوا ونبراسكا و كانساس
و ميسوري .
وحينما ننظر إلى اللوس كظاهرة عالمية ، سنجد أنه فى معظمه عبارة عن نتائج
تأثير التعرية وتذريه الرياح فى الصحارى ، سواء كانت حارة أو باردة ،
صلصالية أو رملية ، صغيرة المساحة أو كبيرتها ، سواء كانت قاحلة من النبات
، أو كانت تحوى نباتات فقيرة لا تستطيع حماية الأرض من تأثير الرياح . ويتم
ارساب نتائج التعرية من المواد الدقيقة خارج منطقة المنشأة ، ولهذا تجد
اللوس يتكون من مواد غريبة بعيدة الموطن ، تراكمت بفعل الرياح السائدة فى
منطقة توافرت فيها ظروف تساعد على ارسابه ، تتلخص فى مناخ رطب ووجود حشائش
تلتقط ذراته وتحميها من إعادة التذرية . ويعتبر تراكم اللوس في الأراضي
المحيطة بالجليد أثناء عصر البلايوستوسين ظاهرة استثنائية في تكوينه .
فقد كانت هناك مساحات واسعة خالية من النبات تمكنت الرياح من تذرية موادها
الدقيقة ثم ارسبتها حيث توافر غطاء نباتي حشائشي عمل على حمايتها من إعادة
سفى الرياح .
ورواسب اللوس عظيمة الخصوبة . فالزراعة قائمة في منطقة اللوس بشمال الصين
منذ 4000 سنة وتجود زراعة القمح في سهول أوكرانيا بروسيا وفي سهول البراري
بأمريكا الشمالية و البمباس بأمريكا الجنوبية ، وكلها تتركب أساسا من
تكوينات اللوس . وتستخدم الرواسب في أعمال البناء ، ويحفر الصينيون مساكنهم
في تكوينات اللوس التي يبلغ سمكها هناك بين 100 – 500 م . ومن مزايا هذه
المساكن أنها سهلة البناء ، وهي دفيئة في الشتاء وباردة نسبيا في الصيف ،
فهي مكيفة الهواء بالطبيعة ، ولكنها سهلة الانهيار حين يصيب المنطقة زلزال
حتى ولو كان ضعيفا .
2- تراكم الرمال وتكوين الكثبان الرملية :
تعتبر تراكمات الرمال الهائلة أهم ظواهر الارساب بواسطة الرياح . ولقد
تنتشر الرمال فوق مساحة تقدر بآلاف الكيلومترات المربعة ، وبسمك كبير يحجب
رؤية الأساس الصخري تماما . وتتباين أشكال سطح بحار الرمال هذه تباينا
عظيما وغالبا ما يكون نمط الكثبان المنفردة معقدا غاية التعقيد . وفي أجزاء
من صحراء استراليا تشكل خطوط الكثبان الرملية نمطا متلاحما متشابكا غريبا ،
يشبه في بعض سماته نهرا مضفرا عظيما ، لكن غالبا ما نشاهد حافات رملية
طولية كثيرة العدد ، يتراوح ارتفاعها بين 100 – 200 م ، أو قد تكون تلك
الكثبان الطولية أقل ارتفاعا وأكثر اتساعا ، فتبدو حينئذ بمظهر يشبه ظهور
الحيتان Whale backs لذلك يطلق على أمثالها "كثبان ظهور الحيتان" ، وفي
كثير من بحار الرمل في الصحراء الكبرى الأفريقية ، وفي صحراء شبه جزيرة
العرب ، تمتد هذه الكثبان الطولية في خطوط رئيسية تأخذ اتجاها عاما من
الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي ، أو من الشمال إلى الجنوب . وهذا يدل على
سيطرة الرياح التجارية الشمالية و الشمالية الشرقية الشائعة الهبوب في تلك
الجهات ، وتحكمها في توجيه الكثبان الطولية التي تعرف باسم السيوف أو
الغرود في صحراء مصر الغربية .
وإن كثرة وجود المساحات الرملية الشاسعة يمثل حالة واضحة لإمكانية اعتبار
الرياح قوة تعرية رئيسية (اكتساح وبري Deflation and Abrasion) في الصحاري
، رغم ما ذكرناه عن أثرها المحدود في هاتين الوجهتين ، والبرهان واضح :-
وهو أن ما ترسبه الرياح في مكان ما لابد وأنها قد التقطته وحملته من مكان
آخر . حقيقة إن بعض عروق الصحراء الليبية يقع في ظهير منخفضات ضخمة يبدو
أنها ازدادت عمقا بطريق اكتساح الرياح Deflation .
وهنا ينبغي لنا أن نذكر أن العروق الضخمة في الصحراء الكبرى الأفريقية تشغل
أحواضا منخفضة ، وتحيط بها أصقاع الرق و الحمادة ، ومنها تم نقل وإزالة
الرمال التي كانت تغطيها بواسطة عامل معلوم وتبعا لذلك يبدو أن تراكم
الرمال وتجميعها قد نشأ من عملية يمكن أن تعمل مركزيا ، وتتأثر في ذات
الوقت بانحدار سطح الأرض ، وهذه لا يمكن أن تكون سوى عملية النقل بواسطة
الماء ، التي تتضمن هنا فيضانات الأودية والفيضانات الغطائية ، في ظلال
ظروف مناخية جافة أو مجاري مائية فصلية أو شبه دائمة ، كانت تجرى تحت تأثير
مناخ أكثر رطوبة ومطرا من مناخ الحاضر .
إن بعض الحالات تشير إلى أن تراكم الرمال قد حدث حتى قبل حلول الزمن الرابع
فلقد ذكر ثورن بوري W.Dthornbury على سبيل المثال أن إقليم التلال الرملية
في ولاية نبراسكا الذي يغطي
مساحة تبلغ نحو 62.000 كيلو متر مربع قد نشأ أصلا من تجوية
الصخور الرملية الهشة المحلية التابعة للزمن الثالث ويبدو لهذا وغيره أن
كثيرا من مساحات الرمال العظمية في الصحاري تتألف من مواد فيضية ترسبت
بواسطة فعل المياه الجارية في أحواض منخفضة المنسوب ربما كانت تشغلها آنذاك
بحيرات البلايا أو حتى امتدادات بحيرة سالفة وكان دور الرياح مجرد معالجة
تلك المواد المترسبة محليا وهي في مكانها وتشكيلها في هيئة كثبان رملية
نشاهدها في وقتنا الحاضر .
أنماط التراكم الرملـــــــي
النمط الأول :
يحدث التراكم الرملي وتكوين الكثبان الرملية حينما تتسع مجالات
هبوب التيارات الهوائية أو حينما تصطدم الرياح
بعقبات في طريقها . في حين
تخرج الرياح من مجال هبوب معين كما يحدث عندما تخرج من الأودية الجبلية إلى
سهل فسيح فيتسع مجال هبوبها اتساعا كبيرا فتضعف بالتالي سرعتها وتلقي
حمولتها في شكل غطاءات رملية فسيحة قد تكون مستوية أو مموجة بعض التموج
وتعرف عادة بمسطحات الرمال الهوائية المستوية .
النمط الثاني :
أما النمط الثاني من أشكال التراكم الهوائي الرملي فيتمثل في
الكثبان الرملية . وهى على أنواع بحسب نشأتها أو بنائها ، وبحسب شكلها .
فمنها الكثبان التي يرتبط تكوينها بعقبة ظاهرة ، ويطلق عليها الألسنه
الرملية و الربوات الرملية النباتية . والأولى عبارة عن تلال رملية هينة
الانحدار تتراكم أمام العتبة أو خلفها ، أما الربوات الرملية فهي أكوام من
الرمال تمكنت النباتات من النمو خلالها . وتبدأ الكثبان الحرة التي لا
يرتبط تكوينها بعقبة ظاهرة بأشكال صغيرة تعرف بالتموجات الرملية ، وهى
حافات صغيرة قليلة الارتفاع تفصلها عن بعضها خطوط غائرة قد تمتد متوازية ،
أو قد تتوزع وتتشابك ويصبح المظهر المورفولوجى للمنطقة أشبه بورق شجر أو
ريشة طير . وهى توجد أيضاً كحفريات فوق الصخور الرملية التابعة للزمنين
الأول و الثاني . ومثل هذه التموجات الرملية أشكال عابرة ، إذ أنها تتحرك
مع الرياح ، أو تغير موضعها بسرعة ، وقد تتلاشى نهائياً .
وللكثبان الرملية الكبيرة الحجم ثلاثة أشكال رئيسية هي :-
1- الكثبان العرضية :-
وهى التي تمتد فى وضع متعامد مع اتجاه الرياح ، وينتشر وجودها
فى حوض تاريم وفى صحراء التركستان وفى داخلية صحراء ثار بشمال غربي الهند .
وينحدر الكثيب العرضي انحداراً هيناً فى جانبه المواجه الرياح بزاوية
تتراوح بين 5 – 12 درجة مئوية . وتبدو اسافل المنحدر فى هذا الجانب مقعرة
بعض الشيء ، أما الجانب المظاهر للرياح فإنه ينحدر فى البداية انحداراً
شديدا ، ثم يتلو ذلك انحدار هين نوعاً بزاوية تتراوح بين 30،
33 درجة وتستمر
الرياح فى حمل الرمال من الجانب المواجه لها و ارسابها فى الجانب المظاهر
لها ما دام الكثيب فى دور التكوين ، وبذلك تتراكم رمال الكثيب فى شكل طبقات
، وحينما تكتسح الرياح قسمها من الكثيب الأصلي تبدو طبقات الرمال متقاطعة ،
وتظهر هوامشها وقد غطتها طبقات رملية أحدث بزوايا مختلفة .
2- الكثبان الهلالية :-
وتعرف باسم تركستاتي الأصل هو برخان Barchan ، وينتشر وجودها في
صحاري أسيا وأفريقيا . وهي في أصلها كثبان عربية تلتوي أطرافها بفعل الرياح
التي تهب في اتجاه واحد سائد ، فحبات الرمال التي تتحرك فوق جسم الكثيب
العرضي ينبغي لها أن تقطع مسافة أطول حين تعبر أجزاءه الوسطى بعكس الحبيبات
التي تتحرك عند طرفيه النحيفين فهي تعبر مسافة أقصر وتبعا لذلك يتحرك طرفا
الكثيب بسرعة أكبر من سرعة تحرك أجزاءه الوسطى فيبدو الكثيب حينئذ في شكل
قوس أو هلال يتجه جانبه المحدب إلى الجهة التي تأتي منها الرياح بينما يتجه
طرفاه إلى الجهة التي تسير نحوها الرياح .
ويكون جانب البرخان المواجه للرياح محدبا طويلا
هين الانحدار (6- 17 درجة)
وجانبه الأخر مقعرا قصيرا شديد الانحدار (بين 30 – 40 درجة) ويرجع ذلك إلى
أن الرياح حينما تجتاز قمة الكثيب تصادف انخفاضا فجائيا في الجانب الأخر ،
فتحدث لها حركة عكسية أشبه بالدوامة Eddy التي تعمل على رفع جزء من الرمال
، وفي نفس الوقت على تثبيت بعض حبات الرمال فوق قمة الكثيب ، فتحول دون
هبوطها ، ولذلك يظهر هذا الجانب في شكل مقعر شديد الانحدار . ويبلغ ارتفاع
الكثبان الهلالية في صحراء كراكوم 5 – 7 م ، ونادرا ما يصل إلى 12 م .
وتوجد البرخانات عادة في مجموعات تحتل مساحة كبيرة من وجه الصحراء ، وهى
تتحرك حركة بطيئة في اتجاه سير الرياح يبلغ مداها بين بضعة ديسيمترات وبضعة
أمتار كل عام . وكثيرا ما ينقلب شكل البرخان ، وهى ظاهرة شائعة في صحراء
كراكوم حينما يتغير اتجاه الرياح فيصبح في اتجاه مضاد لاتجاهها الأول إذ
يستجيب لهذا الاتجاه الجديد كل أجزاء الكثيب الهلالي بما في ذلك جانبه
المحدب الهين الانحدار وجانبه المقعر الشديد الانحدار . ويحدث التحول إلى
البرخان المزدوج حينما يتجاوز كثيبان هلاليان فليتحم جانبهما ثم يتحدان
وينموان في كثيب واحد ، أو حينما يتحرك أحدهما ويصعد فوق الأخر . وتلاحق
البراخانات السريعة الحركة زميلاتها البطيئة ، وتختلط بها ، أو تلتحم معها
مكونة لسلاسل من الكثبان الرملية تعرف أحيانا بصفوف الرمال .
3- الكثبان الطولية أو السيوف أو الغرود
:-
والنمط الثالث الرئيسي للكثبان الرملية وهو الكثيب الطولي
Longitudinal Dune أو السيف أو الغرد ، وهذا النمط ما يزال يكتنف طريقة
تكوينه شئ من الغموض ، ذلك أن وسيلة تشكيلة ليست بوضوح طريقة تشكيل الكثيب
الهلالي أو البرخان . فهذه الكثبان تمتد موازية ، وليست مستعرضة لاتجاه
الريح السائدة ، وغالبا ما تكشف عن تأثير رياح ثانوية بما يتصف به قطاعها
من عدم انتظام ، فهو يتألف من منحدر هين سهل مماثل لمنحدر البرخان المواجه
للرياح ، ومنحدر تهدل Slip face شديد الانحدار .
شكل 11 الغرود (الكثبان الطولية) و البرخان
(الكثبان الهلالية)
شكل (11) الغرود (الكثبان الطولية) و البرخان (الكثبان الهلالية) |
وطبيعي أن يرشد هذا المظهر الباحث باجنولد (1941) إلى الوصول
إلى استنتاج أن السيوف تتشكل في المناطق التي تسودها رياح تهب من اتجاه
واحد ، لكن حيث تهب أيضا رياح قوية مستعرضة من اتجاه آخر بين الحين والحين
. ولقد تمكن باجنولد من الاستدلال على أن بعض الكثبان الرملية الطولية تنشأ
من تحوير شكل البرخانات .
فعندما تتأثر البرخانات برياح مستعرضة ، يصبح طرفا (قرنا) Horn كل برخان ،
وقد أصابتهما الاستطالة في اتجاه الرياح ، ويعاد توجيه منحدر التهدل Slip
Face الذي كان يقع أصلا في وضع مستعرض مع مسلك الرياح الجديدة .
وفي البقاع التي تكثر فيها الكثبان الرملية وتتعدد ، تؤدي هذه العملية إلى
انتشار ظاهرة التحام واندماج البرخانات المنفردة ، ونشوء سلسلة متتابعة من
الكثبان الطولية شبه المتوازية .
وينتشر وجودها في صحراء غرب استراليا و صحراء ثار و الصحراء الكبرى
الأفريقية ، وهي تعرف في صحراء مصر الغربية باسم الغرود . ويتألف كل غرد
منها من سلسلة من التلال الرملية يبلغ طولها عشرات الكيلومترات ، وأشهرها
غرد أبي المحاريق الذي يمتد مسافة يبلغ طولها نحو 350 كم إلى الجنوب من
منخفض القطارة حتى مشارف الواحة الخارجة وقد اشتقت رماله من تكوينات
المنخفض الذي حفرته الرياح الشمالية الغربية السائدة ، وفي صحراء العرق
بليبيا تمتد السيوف الرملية من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ، وهو
اتجاه الرياح السائدة هناك .
حركة الكثبان الرملية :
تتحرك الكثبان الرملية فوق الأراضي المنبسطة حركة دائبة ، حينما
ينعدم وجود عوامل تثنيها ، فالرياح الدائمة الهبوب تكتسح الرمال من الجانب
المواجه لها من الكثيب ، وتلقي بها في الجانب المظاهر لها منه ، وبذلك
يتحرك الكثيب حثيثا ، ولا تقف حركته إلا حين تعترضه الحشائش والنباتات
وتنمو فيه بدرجة تكفي لإيقاف الرمال عن الحركة وتثبيتها وتتوقف سرعة حركة
الكثيب على حجمه ، وحجم حبيبات الرمال المكونة له ، ثم على قوة الرياح
ودوام هبوبها ، فالكثبان الرملية في السواحل الكورية تتحرك بمعدل 6م كل
عام . وفي الصحراء الليبية تتحرك الكثبان بسرعة تتراوح بين 4 م – 20 م في
السنة . ويؤثر التغير الفصلي لهبوب الرياح واتجاهها في تحركات الكثبان ،
فيتوقف استمرار تحرك الرمال في اتجاه واحد . مثال ذلك ما يحدث في صحراء
كراكوم ، إذ تهاجر الكثبان الرملية في اتجاه الجنوب بسرعة 18م في فصل
الصيف ، وفي الشتاء تتحرك شمالا بسرعة تصل إلى 12م وطبيعي أن تتحرك
الكثبان الصغيرة بسرعة أكبر من سرعة تحرك الكثبان الكبيرة .
ويسبب تحرك الكثبان الرملية مشكلات خطيرة لسكان الواحات ، ومنها الواحات
المصرية ، فهي تطغى على الطرق والأراضي الزراعية والقرى ، ولهذا تبذل
الجهود لتثبيتها وإيقاف حركتها عن طريق زراعتها أو إنشاء مصدات رياح أمامها
.